Yazar Adı : | İlim Dalı : |
Konusu : | Dili : Arabça |
Özelliği : | Makale Türü : |
Ekleyen : Fıkıh Dersleri/2014-01-01 | Güncelleyen : /0000-00-00 |
النبوةعندالفارابي
تمهـيـد
يستقي المسلمون عقائدهم من منبعين أساسين ، الكتاب والسنة ، فقد نزل القرآن الكريم على النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، فبلغ الرسول الكريم الأمة ما أنزل إليه ، كما كانت جميع تعاليمه وأقواله صادرة عن الوحي (( وماينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى )) ( النجم : 3- 5) فالإسلام يقوم على الإيمان بالنبوة .
وبعد الفتوحات الإسلامية اختلط بالمسلمين أعداء الدين الجديد ، يفيضون غيضاً وحقداً عليه ،فأخذوا يكيدون له ،ويوجهون الطعنات إليه. وصوبوا سهامهم نحو النبوة ، فطعنوا فيها ، وأنكروها ، واستمدوا أسلحتهم من مصادر شتى ، من أهمها مذهب براهمة الهند ، الذين أنكروا الرسل وزعموا أن وجودهم يتعارض مع الحكمة الإلهية ،وأنه ليس ثمت حاجة إلى الرسل ، لأن العقل عندهم يدل على حسن الأفعال وقبحها ، فأثبتوا التكاليف من جهة العقل دون الحاجةإلى الرسل ،وزعموا أيضاً أن الرسل قد وردوا بإباحة ماخطره العقل من أمور كذبح البهائم ، وإيلام الحيوان بلاذنب ، ونحو ذلك من الأمور التي كذب البراهمة الرسل من أجلها .
وتابع آراء البراهمة في إنكار النبوة بعض الملاحدة من أمثال :
أحمد بن إسحاق الراوندي ( ت : سنة 298) الذي كتب عدة كتب في الطعن على النبوة وإنكار الرسل ، وإبطال رسالاتهم ، ومن هذه الكتب كتاب (( الفرند )) ، وكتاب (( الزمرد )) .
أبو عيسى محمد بن هارون الوراق ، إذ يذكر ابن الجوزي أن كلا من الوراق هذا وابن الراوندي يدعي أنه صنف كتاب في الطعن على رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وشتمه ، والطعن في القرآن .
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي ، في كتابين من كتبه المفقودة ، هما :
أ/ (( مخاريق الأنبياء أو حيل المتنبئين )) وقد صادف هذا الكتاب رواجاً لدى بعض الطوائف التي انتشرت فيها الزندقة والإلحاد ، وبخاصة القرامطة .
ب/ أما الكتاب الثاني فهو ((نقص الأديان أو في النبوات )) وقد بقي لنا منه بعض فقرات أوردها أبو حاتم الرازي ( ت : سنة 322) في كتابه (( أعلام النبوة )) .
وأمام هذه المحاولات التي تستهدف التشكيك في صحة النبوة أو إنكارها ، وقف مفكروا الإسلام على اختلاف مشاربهم يصدون هذه الحملات ، وصنفوا الكثير من الكتب في دلائل النبوة وإثباتها .
وحاول المشتغلون بالفلسفة في العالم الإسلامي أن يسهموا بدورهم في الرد على حملات الطعن في النبوة ، وذلك بأن يعرضوا تفسيراً عقلياً فلسفياً للوحي .
لقد كان الفارابي معاصراً للراوندي والرازي معاً ، ويروي المؤرخون أنه كتب ردين على كل منهما ، إلا أن هذي الردين لم يصلا إلينا .
ويعتبر الفارابي أول من طبع نظرية النبوة بطابع فلسفي ، وفصل القول فيها وكان لنظريته هذه تأثير كبير في خلفائه من فلاسفة الإسلام والمتكلمين والصوفية [1]
نظرية الفارابي في النبوة
لقد كان فلاسفة الإسلام حريصين كل الحرص على أن يوفقوا بين الفلسفة والدين ، بين العقل والنقل ، بين لغة الأرض ولغة السماء ، لهذا لم يفتهم أن يشرحوا لغة السماء ويوضحوا كيفية وصولها إلى سكان العالم الأرضي ، ويبنوا الدين في اختصار على أساس عقلي ، فكونوا نظرية النبوة التي هي أهم محاولة قاموا بها للتوفيق بين الفلسفة والدين .
والفارابي ــ كما تقدم ــ هو أول من ذهب إليها وفصل القول فيها ، بحيث لم يدع فيها زيادة لخلفائه فلاسفة الإسلام الآخرين .
وهذه النظرية هي أسمى جزء في مذهبه الفلسفي ، تقوم على دعائم من علم النفس وما وراء الطبيعة ، وتتصل اتصالاً وثيقاً بالسياسة والأخلاق . ذلك لأن الفارابي يفسر النبوة تفسيراً سيكلوجياً ، ويعدها وسيلة من وسائل الإتصال بين عالم الأرض وعالم السماء . ويرى فوق هذا أن النبي لازم لحياة المدينة الفاضلة من الناحية السياسية والأخلاقية ، فمنزلته لاترجع إلى سموه الشخصي فحسب ، بل لما له من أثر في المجتمع [2].
ونجد نظرية النبوة عند الفارابي تكون أكثر وضوحاً في كتابه ((آراء أهل المدينة الفاضلة )) [3]. حيث عقد فيه فصلين متكاملين (( في سبب المنامات )) و (( في الوحي ورؤية الملك )) يرتفع في نهايتهما إلى النبوة محاولاً تفسيرها بشرح علمي فلسفي . حيث يجعل ( المخيلة ) قطب الرحى الذي تدور في محيطه نظرية النبوة وذلك على النحو التالي :
(1) إن المخيلة متى انفردت بنفسها أثناء النوم ، عمدت إلى مالديها من مخزونات ذهنية وصور فقاربت بينها وركبتها وولدت منها صوراً جديدة منسجمة مع مزاج النائم وحالته النفسية ، مستعدة للإنفعال والتأثر .
فيحلم النائم مثلاً بالسباحة ، إذا كان مزاجه رطباً ، وبالقتال وخوض المعارك إذا كان في حال هياج عصبي وثورة نفسية .
جعل المخيلة سبيل اتصال النبي بالعقل الفعال .
يقول الفاربي : إن الإتصال بالعقل الفعال . ، وإن كان نادر الوجود وخاصاً بعظماء الرجال ، إلا أنه ميسور بطريقين :
طريق العقل وطريق المخيلة ، أو طريق التأمل وطريق الإلهام .
فبالنظر والتأمل يستطيع الإنسان أن يصعد إلى منزلة العقول العشرة ، وبالدراسة والبحث ترقى نفسه إلى درجة العقل المستقاد حيث تتقبل الأنوار الإلهية .[4]
وليست النفوس كلها قادرة طبعاً على هذا الإتصال ، وإنما تسمو إليه الأرواح القدسية التي تستطيع أن تخترق حجب الغيب وتدرك عالم النور.
يقول الفارابي : الروح القدسية لاتشغلها جهة تحت عن جهة فوق ، ولايستغرق الحس الظاهر حسها الباطن ، وقد يتعدى تأثيرها من بدنها إلى أجسام العالم ومافيه ، وتقبل المعلومات من الروح والملائكة بلا تعليم من الناس .
أولاً : طريق العقل :
فبفضل الدراسات النظرية الطويلة والتأملات العقلية الكثيرة يستطيع الحكيم الإتصال بالعقل الفعال ، وهذا الحكيم الواصل هو الذي يسمح الفارابي بأن يكل إليه مقاليد أمور مدينته ، وبهذا يحل ( صاحب المدينة الفاضلة ) ــ على طريقته ــ مشكلة الرئيس السياسي والإجتماعي ، وهو حل صوفي كما ترى ، وليس غريباً أن يصدر عن فيلسوف يقول بنظرية السعادة والإتصال .
فآراء الفارابي السياسية ، وإن اعتدت على دعائم أفلاطونية ، ، مشوبة بنزعة صوفية واضحة .
ثانيا : طريقة المخيلة :
ويمكن عن طريق المخيلة أيضاً الإتصال بالعقل الفعال ، وهذه هي حالة الأنبياء ، فكل إلهاماتهم وما ينقلون إلينا من وحي منزل أثر من آثار المخيلة في الأحلام وتكوينها ، فإنا إن فسرنا الأحلام تفسيراً علمياً استطعنا أن نفسر النبوة وآثارها ، وذلك لأن الإلهامات النبوية إما أن تتم في حال النوم أو في حال اليقظة ، وبعبارة أخرى إما أن تبدو على صورة الرؤيا الصادقة أو الوحي ، والفرق بين هذين الطريقين نسبي ،والإختلاف بينهما في الرتبة لافي الحقيقة .
وما الرؤيا الصادقة إلا شعبة من شعب النبوة تمت إلى الوحي بصلة وتتحد معه في الغاية ، وإن اختلفت عنه في الوسيلة ، فإذا فسر أحدهما أمكن تفسير الآخر . [5]
وقد عقد الفارابي في كتابه : (( آراء أهل المدينة الفاضلة )) فصلين متتاليين (( في سبب المنامات )) ، (( وفي الوحي ورؤية الملك )) ، يصعد في نهايتهما إلى مرتبة النبوة محاولاً تأويلها وشرحها شرحاً علمياً فلسفياً . [6]
فهو يبدأ أولاً بالأحلام فيوضحها توضيحاً يقرب كثيراً من بعض الآراء العلمية الحديثة ، ويرى أن المخيلة متى تخلصت من أعمال اليقظة تفرغت أثناء النوم لبعض الظواهر النفسية ، فتخلق صوراً جديدة أو تجمع ببعض الإحساسات والمشاعر الجسمية أو العواطف النفسية والمدركات العقلية ، فهي قوة مخترعة قادرة على الخلق والإيجاد والتصوير والتشكيل ، ولها أيضاً قدرة عظيمة على المحاكاة والتقليد ، وفيها استعداد كبير للإنفعال والتأثر . [7]
فأحوال النائم العضوية والنفسية وإحساساته ذات أثر واضح في مخيلته . وبالتالي في تكوين أحلامه ، وما اختلفت الأحلام فيما بينها إلا لأختلاف العوامل المؤثرة فيها ، فنحلم بالماء أو السباحة مثلاً في لحظة يكون مزاجنا فيها رطباً . [8]
وكثيراً ما مثلت الأحلام تحقيق رغبة أو الفرار من فكرة بغيضة ، فقد يتحرك الإنسان أثناء نومه تلبية لنداء عاطفة خاصة ، أو يجاوز مرقده ويضرب شخصاً لايعرفه أو يجري وراءه ، وعلى الجملة الميول الكامنة والإحساسات السابقة أو المصاحبة لحلم ما ذات دخل عظيم في تكوينه وتشكليه … وإذا كان في مقدور المخيلة أن تحدث كل هذه الصور فهي تستطيع أن تشكلها بشكل العالم الروحاني ، فيرى النائم السموات ومن فيها ، ويشعر بما فيها من لذة وبهجة .
وفوق هذا قد تصعد المخيلة إلى هذا العالم وتتصل بالعقل الفعال الذي تتقبل منه الأحكام المتعلقة بالأعمال الجزئية والحوادث الفردية ، وبذا يكون التنبؤ ، وهذا الإتصال يحدث ليلاً ونهاراً ، وبه نفسر النبوة ، فهو مصدر الرؤيا الصادقة والوحي .[9]
يقول الفارابي : أن القوة المتخيلة إذا كانت في إنسان ما قوية كاملة جداً ،وكانت المحسوسات الواردة عليها من خارج لاتستولي عليها استيلاء يستغرقها بأسرها ، ولايستخدمها للقوة الناطقة ، بل كان فيها مع اشتغالها بهذين فضل كثير تفعل به أيضاً أفعالها التي تخصها ، وكانت حالها عند اشتغالها بهذين في وقت اليقظة مثل حالها عند تحللها منها في وقت النوم … اتصلت بالعقل الفعال وانعكست عليها منه صور في نهاية الجمال والكمال ، وقال الذي يرى ذلك إن الله عظمة جليلة عجيبة ، ورأى أشياء عجيبة ، لايمكن وجود واحد منها في سائر الموجودات أصلاً ، ولايمتنع إذا بلغت قوة الإنسان المتخيلة نهاية الكمال أن يقبل في يقظته عن العقل الفعال الجزئيات الحاضرة والمستقبلة أو محاكياتها من المحسوسات ، ويقبل محاكيات المعقولات المفارقة وسائر الموجودات الشريفة ويراها ، فيكون له بما قبله من المعقولات نبوة بالأشياء الإلهية . وهذا هو أكمل المراتب التي تنتهي إليها القوة المتخيلة والتي يبلغها الإنسان بهذه القوة . [10]
فميزة النبي الأولى في رأي الفارابي أن تكون له مخيلة قوية تمكنه من الإتصال بالعقل الفعال أثناء اليقظة وفي حال النوم ، وبهذه المخيلة يصل إلى مايصل إليه من إدراكات وحقائق تظهر على صورة الوحي أو الرؤيا الصادقة ، وليس الوحي شيء آخر سوى فيض من الله عن طريق العقل الفعال . وهناك أشخاص قويو المخيلة ، وقد يعز عليه أن يعربوا عما وقفوا عليه . أما العامة والدهماء فمخيلتهم ضعيفة هزيلة لاتسمو إلى درجة الإتصال هذه لافي الليل ولافي النهار .
هذه هي نظرية النبوة التي انتهى إليها الفارابي بعد بحوثه الإجتماعية والنفسية ، فالنبي والحكيم في رأيه هما الشخصان الصالحان لرياسة المدينة الفاضلة ، وكلاهما يحظى في الواقع بالإتصال بالعقل الفعال الذي هو مصدر الشرائع والقوانين الضرورية لنظام المجتمع ، وكل مابينهما من فرق أن الأول يحظى بهذا الإتصال عن طريق المخيلة والثاني عن طريق البحث والنظر . [11]
*أثر أرسطو على الفارابي في نظريته *
ير ى بعض الباحثين أن الفارابي في نظرية النبوة قد تأثر بأرسطو وذلك من خلال رسالتا أرسطو وهما :
( رسالة الأحلام ) و ( رسالة التنبؤ بواسطة النوم ) حيث كانت الدعامة الأولى التي قامت عليها نظرية الأحلام والنبوة والفلسفة … فحديث الفارابي عن النوم وظواهره والأحلام وأسبابها لايدع مجالاً للشك في أنه متأثر بأرسطو وآخذ عنه .
فقد اعتنق الفارابي نظرية أرسطو في الأحلام ، وقال معه إنها أثر من آثار المخيلة ونتيجة من نتائجها . ولابد أن يكون قد لوحظ في التفاصيل والجزئيات تشابه واتصال أكثر من هذا بينه وبين الفيلسوف اليوناني ، فإن الفارابي يعتد بالميول والعواطف ويثبت مالها من أثر في تكوين الأحلام وت